لطالما احتاج الإنسان للتعبير عن نفسه ومحيطه وما يمرّ به، هناك حاجة دفينة تجعل الإنسان دائماً ينحاز للحكاية والتعبير، فطوّع كل الوسائل المتاحة أمامه ليحكي، ابتداءً بالنقوش والرسوم على جدران الكهوف، وتوثيق مظاهر الحياة بالكلمات، والغزل والهجاء والنعي والبكاء على الأطلال بالشعر، واستمر حتى اليوم بتطويع الحرف بمختلف الطرق الإبداعية لينسج مجازاً من الجمال على شكل قصة قصيرة أو رواية.
مع تطوّر العصور تم اختراع فنّاً جديداً اسمه التسويق، ليقوم الأشخاص والشركات والجهات المختلفة بتسويق منتجاتهم وخدماتهم للمستهلك، هذا الفن تطلّب نوعاً خاصّاً من القدرة على التعبير، هذه القدرة اتخذت عدّة مسمّيات مع مرور الوقت حتى استقرّ العالم اليوم على مسمّى “صناعة المحتوى” وأصبحت هذه المهنة -صانع محتوى- مهنة مهمّة لأي شركة للتعبير والتسويق بأفضل الطرق الممكنة، حتى أصبحت هذه المهنة من أكثر المهن انتشاراً في العام.
فماهو هذا المحتوى وماهو الفرق بين صناعة المحتوى بشكل عام وبين صناعة المحتوى التسويقي تحديداً ؟!
هناك اختلاف مهم بين المجالين إلا أن الاثنان يعتمدان بشكل كلّي على قدرة الشخص على الكتابة، وليس الكتابة فحسب بل إبداعه فيما يكتب وكيف يوصل رسالته، فعلى سبيل المثال لو أردنا الكتابة عن منتج معين:
سيتوجه كاتب المحتوى للحديث عن تاريخ المنتج، ومتى تم اختراعه، ولماذا اخترع، ومن اخترعه، وأماكن توافره الخ
في حين أن كاتب المحتوى التسويقي سيكتب عن مميزات هذا المنتج مقارنة بالمنتجات الأخرى وبمدى أهمية هذا المنتج لك كمستهلك ولتسهيل حياتك بشكل عام حتى يشعرك بحاجتك الماسة لشرائه حتى تصبح حياتك أفضل!
هذه الخطوات ستساعدك في صناعة المحتوى سواءً العام أو المتخصص:
حدد الهدف:
اسأل نفسك دائماً، ماهو الهدف من صناعة هذا المحتوى؟
هل الكتابة عن منتج لنضارة البشرة، كالكتابة لتطبيق توصيل طعام؟
بالطبع لا، لذا كلما كان الهدف واضحاً، ومحدداً، ودقيقاً، كلما استطعت اختيار المفردات المناسبة لإيصال هذه الرسالة، فمثلاً لو أردت الكتابة عن حملة توعوية عن مرض الكرونا فيجب أن تكون لغتك عامّة بحيث يفهمها الطفل ذو العشرة أعوام أو الرجل ذو الخمسين عاماً، أما إن كان هدفك الكتابة عن فعاليات ترفيهية للصيف فيجب أن تكون مفرداتك مرحة، محفزة، وإيجابية.
الجمهور المستهدف:
معرفة الجمهور المستهدف من المحتوى مهم جداً لأنه سيختصر عليك الكثير من المشقة في الأسلوب والصياغة اللغوية، وتستطيع تقسيم الجمهور المستهدف بعدة طرق، منها نوع المهنة، الطبقة الاجتماعية، الفئة العمرية، النوع، وهكذا.
نوع المحتوى
هل المحتوى المطلوب سيكون مقروءاُ أم مرئياً أم مسموعاً ؟!
تحديد نوع المحتوى يعتمد بشكل كلّي على الفئة المستهدفة منه، فالمحتوى المخصص للمنشورات والمدونات فئته المستهدفة مختلفة عن فئة المحتوى المخصص لليوتيوب والدعايات التلفزيونية الخ
كذلك سيساعدك تحديد نوع المحتوى من اختيار طريقة الكتابة المناسبة، إن كانت فصحى أم عامّية، إن كانت لهجة تخص منطقة معينة أم لهجة يفهمها الجميع، إن كانت طريقة المخاطبة مباشرة أم غير مباشرة وهكذا.
البحث والقراءة والاطلاع:
كصانع محتوى مهم جداً أن تقرأ بشكل دائم، وأن تطلع على مختلف المجالات، بحيث تعرف شيء عن كل شيء، وتذكر دائماً أن القراءة هي وقود الكتابة.
هناك توجه لكتابة المحتوى المتخصص بحيث يفني الشخص حياته في الكتابة عن المجال الطبي مثلاً أو أسواق المال، إلا أني لا أؤمن بهذا التوجه، أؤمن بأن صانع المحتوى الجيد هو من يستطيع الكتابة في مختلف المجالات أيّاً كانت، كل ما يحتاجه هو أن يبحث جيداً، أن يقرأ كثيراً، وأن يكون مطلعاً بشكل عام.
التعليم المستمر:
حاول دائماً أن تكون مواكباً للتطورات، هناك الكثير من الدورات المتوفرة أونلاين عن الكتابة وأدواتها وآليتها، خصص وقتاً في الأسبوع لتطور من ذاتك عبر هذه الدورات وستجد فرقاً مذهلاً في طريقة وأسلوب كتابتك.
هذه بعض المواقع التي استفدت منها بشكل شخصي:
https://www.coursera.org/
https://www.rwaq.org/
https://www.udemy.com/
https://www.masterclass.com/
محفّزات الكتابة:
محفّزات الكتابة من الوسائل المهمة لتطوير قلمك، فهي تفتح لك آفاق الخيال، وتجعلك تكتب عن أمور لم تكن تخطر لك على بال، مما يجعلك أكثر اتقاناً للتشبيهات وتطويع المجاز ليخدم فكرتك ويعبر عن شعورك، فتخيل أن تكتب مثلاً عن السماء التي تمطر موسيقى!
مجتمعات الكتابة:
في كل مدينة هناك العديد من الكتاب المهتمين بالتعرف على كتاب آخرين، تكوين مجتمع كتابي والانضمام لهذه المجتمعات مفيد جداً في تلاقح الأفكار، والنقاشات البناءة، والنظر للأمور بطريقة مختلفة، والنقاش حول هذه المهنة بطريقة مثرية، وأخذ آراء المختصين للنقد والتطوير.
قواعد اللغة:
اللغة العربية بحر من المفردات والقواعد النحوية والإملائية، الإلمام بالنحو والصرف والإملاء مهم جداً للتعبير عن ما تريد بطريقة سليمة، دون أخطاء قد تغير معنى الكلام بشكل جذري؛ أذكر على سبيل المثال أن أحدهم اقتبس من القرآن آية (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى) لكنه مع الأسف أخطأ في إملائياً في كتابتها فكتب (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمني والأذى) !
هذا الخطأ الجسيم يحول النص إلى كارثة!
الكتابة المستمرّة:
لطاما سمعنا منذ الصغر مقولة “الممارسة تؤدي للكمال” وهذه حقيقة، ممارستك للكتابة باستمرار تعطي قلمك لياقة عالية في الكتابة، وسيسهل عليك تدفق الأفكار بدلاً من أن تقضي الأيام بحثاً عن فكرة أو منتظراً للإلهام كي يأتي لتكتب، كذلك ممارسة الكتابة باستمرار تجعلك أقدر على تلوين مفرداتك بدلاً من البحث لوقت طويل عن مفردة معينة.
جرب أن تكتب بشكل يومي ولو لنصف ساعة.
أتمنى أن تكون هذه الخطوات مفيدة لك كما أفادتني كثيراً على الصعيد العملي وكتاباتي الشخصية.