لماذا لا يثق المنتجون العرب بكتّاب السيناريو السعوديون ؟!
الدراما هي فنّ أسسه الإغريق على مبدأ الصراع والتناقض المنطلق من موروثهم الميثولوجي الزاخر بصراعات الآلهة وأنصاف الآلهة، وتطورت مع العصور لهذا الفن الذي نتشوق لرؤيته على صعيد المسرح والسينما والتلفزيون.
أصبحت الدراما وسيلة ثقافية لسبر أغوار الثقافات المختلفة، خاصة في هذا العصر الذي نشاهد فيه أعمالاً درامية فنية من مختلف دول العالم، ونستمتع بتفاصيلها، فتارةً نشعر بألفةِ التشابه بيننا وبين الآخر مختلف اللون والعرق واللغة، وتارةً نشعر بالدهشة لمعرفة شيء مختلف عنا في أمريكا اللاتينية أو الشرق الأقصى، فالدراما وسيلة تواصل ومعرفة واكتشاف ومحاكاة للمشاعر الإنسانية الدفينة.
في ظني لم تستطع الدراما الوصول إلى هذا الحد من الانتشار والقبول سوى لكونها تنقل للآخر صورة ما يجهله من تفاصيل الحياة اليومية للناس من علاقات اجتماعية وعاطفية، الأوضاع والصراعات السياسة، الاقتصاد وتأثيره على البنية المجتمعية إلخ من التفاصيل المدهشة بالنسبة لنا، لذلك كما يقال: “الدراما عالميّة والكوميديا محليّة”.
وهذا ما فعلته الدراما العربية على مرّ السنوات، حكت عنّا، عن مشاكلنا، همومنا، مصاعب الحياة ومباهجها، قصص الحب والشوق، قصص الفقد والفراق، حياة الهامش في الأحياء الشعبية، وحياة الترف في أرقى الأحياء وعند أعرق العوائل، الحروب والاحتلال، الثورة والتاريخ وصراعات المواطنة، إلخ من المواضيع الكثيرة والعظيمة والتي ندين لمصر فيها بالكثير، فهي أكثر دولة عربية صنعت ما نعرفه اليوم بالدراما العربية، وهذا لا ينفي ولا يقلل أبداً دور سوريا ولبنان، والخليج كذلك الذي موّل منذ السبعينات الكثير من الأعمال الدراميّة حتى إنشاء تلفزيون الكويت والدعم السعودي والإماراتي للأعمال الدراميّة المختلفة في مصر وسوريا ولبنان والخليج.
اليوم في السعودية على وجه الخصوص هناك صراع جديد ومختلف على كل الأصعدة، بالأخص بعد الانفتاح الثقافي الذي تعيشه المملكة اليوم، والأبواب المفتوحة للسينما والمسرح والتلفزيون، هذا الصراع مع المنتجين العرب -الذين كانت لهم بلا شك يدُ السبق في الإنتاج الدرامي والخبرة الكبيرة في مختلف الفنون- الذين يحاولون انتزاع الحق البسيط في أن تقوم السعودية على أيدي شبابها دراميّاً، أن يكتب أبناء هذه الأرض قصصهم الخاصة، أفكارهم، أحلامهم، ويحكوا للعالم كلّه حكايتهم الخاصة التي تعكس ثقافتهم ووعيهم وطموحهم.
فالصورة النمطية -مع الأسف- هي الطاغية على المنتجين العرب في التعامل مع السعودية، فلازالوا يرون السعودية على أنها الدولة البدائية التي ليست لديها الخبرة والكفاءة وبحاجة ماسّة للمساعدة والدعم الكلّي كي تقف على أقدامها دراميّاً، وهذا ليس صحيحاً بالكلية، فالأعمال الدرامية السعودية على الصعيد التلفزيوني والسينمائي كسينما مستقلة أثبتت وبجدارة أن الشباب لديهم ما يريدون قوله ويستطيعون قوله على الرغم من قلّة الموارد والخبرات والأدوات، أفلا يستحقون فرصة؟!

الدراما في السعودية
نحتاج لبعض اليقين والثقة في هذا الجيل من صنّاع الأفلام وكتّاب السيناريو ليبنوا سوقهم الدرامي لبِنة لبِنة، ليخطئ ويتعلم فيصيب ويُبهر.
وإن كان ولا بد من المساعدة فلتكن من باب “علّمني كيف أصطاد” أرجوكم يكفي “اصطياداً عن هذا الجيل” فهذا أبسط حقوقه، والقيادة اليوم ترى ذلك بشكل جليّ وتعززه من خلال الدعم والابتعاث والتدريب والتطوير والمهرجانات والجوائز.
قليلاً من الثقة أيها المنتجون ..