سألت الممثلة فاطمة البنوي عبر حسابها في الإنستغرام سؤال مهم في وجهة نظري، تقول: ” كيف للإنسان أن يثابر ويستمر في عمل آمن فيه وحرك قلبه ونعنش روحه رغم عدم ملائمته مع ذوق وتوقعات آخرين ممن يهتم لأمرهم؟ هل يستمر وهو مؤمن أن النتائج ستغير من رأي هؤلاء الآخرين؟ أم هل لا يبالي من الأساس؟ أم يحاول الإقناع؟ “
هذا السؤال مهم في رأيي لأنه مركب من عدة نقاط يمر بها كل شخص في ممارسة الشغف والمهنة التي يحبها، وفي سعيه الحثيث لإرضاء المحيط الاجتماعي الخاص به.
أؤمن أن الشرارة الأولى للنجاح هي أن يؤمن الشخص بما يفعل، والإيمان بفعل الشيء لا يعني الاكتفاء بالشعور الداخلي الذي يقول لك: أنت خلقت لتفعل كذا، بل يجب عليك ممارسته على الدوام، فكثير من الشباب المقبلين على الأوراق البيضاء لممارسة الكتابة -على سبيل المثال- يتوقفون عند تغول الورق الأبيض عليهم، يشعرون بالإحباط لعدم قدرتهم على الكتابة والتدفق والسرد كما خُيّل إليهم، فيتوقفون كردة فعل تلقائية لأنهم يظنون أنهم لم يخلقوا كتّاباً كما ظنّوا في البداية، وفي أحسن الأحوال يهلكون أنفسهم بمئات الدورات التي تقول ذات الكلام بطرق مختلفة وتنميق يطرب الأذن دون أن يكون هناك عمل وممارسة حقيقية، والحقيقة البسيطة التي كان يجب عليهم إدراكها وممارستها هي أن يمارسوا فعل الكتابة طالما يؤمنون بأن الكتابة هي ما خلقوا لأجلها.
فإن أردت أن تصبح كاتباً فكل ما عليك أن تفعله هو أن تكتب فقط!
الإيمان بالعمل وحده دون ممارسته بشكل يومي وبشكل مستمر لن يوصلك للبر الآخر، فستكون كمن هو في لجة البحر مؤمناً بالنجاة ولكن طوق نجاته بالكاد يمكّنه من التنفس، المثابرة هي مجدافيك اللذان سيعينانك على شق عباب البحر، على الحركة السريعة للوصول لبر الأمان، فإن كنت تؤمن بالكتابة أنها المهنة التي ستحقق فيها شغفك فلا يكفي أن تجلس مكتوف اليدين دون أن تمارسها بشكل يومي، ولساعات طويلة، فبهذه الطريقة وحدها ستتقن حرفتك.
أتفهم تماماً أننا بطبيعتنا كبشر نحتاج للتحفيز، للتربيت على أكتافنا ولمن يقول لنا أحسنتم، فهذا الشعور يجعلنا نطمئن بأننا على الطريق الصحيح، أن بإمكاننا أن نبدع وننجز أكثر، لهذا هو مهم للغاية، لكن ماذا لو لم يأتي ؟ هل سنتوقف عن الكتابة والتمثيل والتصوير والإخراج وممارسة أيّاً كانت المهنة التي نمارسها لأننا لم نجد من يربّت على أكتافنا ؟! هنا عد لنقطة البداية، واسأل نفسك ذات السؤال هل أنت فعلاً مؤمن بما تعمل أم لا ؟!
الجواب بسيط بالنسبة لي، إن كنت تؤمن بما تعمل فلن يوقفك عدم رضا المجتمع والأهل والأصدقاء على المهنة والهواية التي تمارسها، ستشعر بحاجة ملحّة للاستمرار والمواصلة، لن تستطيع التوقف وإن وقف أمامك ألف شخص ووضعوا ألف حاجز، فرغبتك في الانتصار لما تؤمن به هي بلا شك أقوى من رغبتهم في وقفك عن ما يظنوا أنه غير جدير بوقتك.
لذا ستسعى بكل جهدك لتخطي هذه الحواجز، للوقوف بعد كل سقوط، ولمواصلة الرحلة بعد كل توقف، لن تكل ولن تمل حتى تصل لمرادك، لكن لن يحدث هذا إلا إن كان جوابك على السؤال الأول بنعم!
فهل أنت فعلاً مؤمنٌ بما تعمل ؟!
صدقني هذا السعي لن يثمر إلا بخير، فمهما طال الوقت فنهاية عتمة النفق دوماً نور الشمس، حينها فقط ستشعر بأنك كنت على حق، وأنك جدير بما وصلت إليه، فكل هذا لم يكن ليحدث دون إيمانك بما تعمل، ومثابرتك عليه، حتى بلوغ الإتقان .. لذا نصيحتي هي أن لا تبالي كثيراً بما يقول الآخرون، لكن هذا لا يعني ألا تستمع إلى آرائهم!
اسمع وحرر، التقط ما يفيدك، واجتنب ما يضرّك، ثق بقلبك، اعزل نفسك، انكب على عملك، تعلم من أخطائك، واصل رحلتك، ففي نهاية المطاف كلّ منّا رُبّانُ سفينته الخاصة في بحر الحياة ..
أتمنى لك رحلة سعيدة، فالمتعة كلّ المتعة هي في الرحلة ..