عملت في إحدى الشركات وكان المدير المسؤول عبارة عن كتلة مشتعلة من السلبية، يجيد تحطيم الآخرين، ولا يرى أن هناك في الشركة كلها من هو مؤهل للمنصب الذي هو فيه، وأن الجميع أغبياء لا يجيدون أداء مهامهم الوظيفية ويعانون من مستوى ذكاء منخفض إلخ من الاتهامات العجيبة!
هذا الكم من السلبية المتكررة بشكل يومي جعل بعض الموظفين يصدقون مزاعم هذا المدير ويذعنون تماماً، بل ويتبنون فكرته عنهم بأنهم غير جديرين بالعمل وأنهم أقل شأناً ومهارة، وهو من أكثر الأمور المزعجة التي مررت بها في بيئة عمل على الإطلاق.
انتقلت من هذه البيئة إلى بيئة عمل جديدة، كانت شركة ناشئة، عدد موظفيها لم يتجاوز 6 موظفين فقط، وكان الرئيس التنفيذي للشركة شاب في بداية العشرينات، كان شعلة من الحماس والاتّقاد، حريص جداً على اختيار مميزات محددة في الموظفين لتكوين بيئة عمل تفاعلية وإيجابية، كان يستشير الفريق بشكل دائم واهتمام كبير، يبحث دائماً عن ما يفيد الجميع ويطور من مهاراتهم ويشارك الفريق بالمعلومات الجديدة التي يكتشفها والمقالات التي يقرأها، كانت ساعة الغداء في الشركة عبارة عن مساحة تفاعلية لتبادل الآراء والنقاشات بالإضافة للاجتماع الأسبوعي الذي يشارك فيه أعضاء الفريق خبراتهم وما تعلموه خلال الأسبوع سواء داخل الشركة أو من قراءاتهم واطلاعهم.
هذا غير دقائق الصباح الأولى التي يجتمع فيها فريق العمل أمام السبورة البيضاء ليضع كل شخص مهام اليوم التي سينجزها، ثم نعود مرة أخرى قبل انتهاء الدوام لمراجعة ما تم ولم يتم إنجازه، والتحديات التي واجهتنا خلال اليوم، وما يمكن أن يقدمه الفريق من مساعدة لبعضه البعض. صدقاً لا أذكر أنني مررت ببيئة عمل شعرت بانتماء بالغ لها، وتطور ملحوظ في مهاراتي مثل تلك البيئة الصغيرة والجميلة، والتي حتى اليوم أشعر بانتماء لها، أفخر بإنجازات ذلك الفريق وكأنني جزء منها على الرغم من مضي 5 سنوات على فراقهم!
من خبرتي في العمل منذ كنت طالباً في المرحلة الثانوية وجدت أن صنّاع الأمل الحقيقيين هم القادة الذين يخرجون أفضل ما فينا، من يتحدون قدراتنا وإمكانياتنا للوصول ولإنجاز مالم نتصور أن بإمكاننا إنجازه.
للبيئة المحيطة بالإنسان تأثير كبير على وعيه وإدراكه ومعرفته لنفسه. فأحياناً نظن أننا أفضل مما نحن عليه، أو أسوأ مما نحن عليه بسبب البيئة المحيطة بنا، الأشخاص الذين يزرعون فينا الأمل والإيجابية أو السوداوية والسلبية، من يخبروننا بأننا نستطيع أن نفعل هذا وننجز ذلك ونتحدى كل شيء، أننا بخير ونمتلك المهارات اللازمة لأداء المهام المناطة بنا والتغلب على التحديات التي تواجهنا، ومن يخبروننا بعكس ذلك تماماً.
بيئة العمل بشكل عام ليس من المفترض أن تكون مكاناً مزعجاً يتوق فيه الموظف لنهاية ساعات الدوام، بقدر ما يجب أن تكون بيئة محفّزة، تستخرج مافي جوف الموظف من مهارات وتصقلها وتضيف إليه مهارات جديدة تمكّنه من إتقان عمله بصورة أكبر وأكثر احترافية، وهذا دور قائد الشركة بشكل عام.
لذا إن كنت تعمل في بيئة غير محفّزة فلا تتردد في البحث عن بديل مناسب، يجعلك تشعر بالانتماء الحقيقي ويظهر جوانبك الخلّاقة، فوقتك أثمن من ضياعه في غياهب السلبية والشعور بعدم الكفاءة والأهلية.