من أساسيات النصّ الدرامي وأبجدياته وجود الدوافع والعقبات، فبلا دوافع وعقبات لن يكون هناك نصّ درامي من الأساس، بل سيكون مجرّد نصّ صحافي ينقل حدث أو قصة بشكل متجرّد ومحايد دون مشاعر وعواطف، وهذا فرق جوهري بين الصحافة والدراما التي تجذبك من يدك وتهيئ لك المكان بالكامل لتعيش تفاصيل القصة الدقيقة بكلّ أحداثها وتفاعلاتها النفسية والعاطفية ..
الدافع هو الحالة النفسية والقوى المحرّكة للشخصيات الدرامية في العمل، فمالذي يجعل الشخصية تقوم بسرقة بنك؟ أو قتل صديق؟ أو الانتقام من مدرس؟
الدافع هو الأساس الذي تنطلق منه الشخصية، لتفاجئ بالعقبة التي تعرقل مسيرتها، وتجعلها مكبّلة، وتواجه صعوبة في الحركة والتغلّب عليها، مما يضفي على القصّة الإثارة.
مثال على ذلك: عملية سرقة من خزنة شركة
الدافع: أب موظف في الشركة يحاول إنقاذ حياة ابنه في عمر 8 سنوات من الموت
العقبة: صعوبة السرقة، وجود الخزنة في مكتب المدير المالي والمجهز أمنيا بكميرات مراقبة.
عليك ككاتب أن تصل للدوافع الحقيقية للشخصية، فمالذي تريده الشخصية وترغب به ويحركها بشدة، ويدفعها للوصول لهدفها؟!
بدون دوافع حقيقية وواضحة وقوية ومحددة للشخصيات في العمل الدرامي فستصبح الشخصية سطحية، مقيدة، وغير ذات جدوى تماما، وكذلك العقبات لابد أن تكون واقعية، وإن كانت للعقبة حلول بديهية ستخطر تلقائيا على ذهن المشاهد فعليك ككاتب أن تُري المشاهد لماذا لم تكن تلك الحلول هي الأمثل؟
مثال على ذلك: لماذا لا يقترض الموظف المبلغ الذي يحتاجه لعملية ابنه من الشركة بدلاً من أن يسرقها ؟!
عليك أن تجيب على هذا السؤال من خلال النص الدرامي، عبر مشهد يوضح أنه قد حاول وتم رفض طلبه، أو أنه لا يستطيع أن يطلب من الشركة قرض لأن عليه قرض سابق للعملية الأولى وهو لا زال يسدده !
ولتظهر الدوافع والعقبات بشكل سلس فعليك أن تتبع إحدى هاتين الطريقتين:
إما أن تكون واضحا في تقديم الدافع أولا للمشاهد منذ البداية ثم العقبة.
مثال على ذلك: أحتاج مائة ألف ريال خلال خمسة أيام كحد أقصى لإجراء عملية قلب مفتوح لإبني الصغير وإلا سأفقده، ولكني لا أملك سوى ثلاثة آلاف ريال فقط والشركة لن تقرضني مبلغا كبيرا كهذا.
أو أن الدوافع والعقبات تأتي بشكل متتالي.
مثال على ذلك: يتعب الابن، يذهب إلى الطوارئ، يكتشف الأب بأن وضع ابنه الصحي تدهور للغاية وهو بحاجة إلى عملية قلب مفتوح، يفاجئه الطبيب أن العملية لابد أن تكون عاجلة وفي فترة لا تتجاوز الخمسة أيام، ثم يتفاجئ بأن العملية ستكلفه مائة ألف ريال، يصاب بالصدمة لأن كل ما يملكه هو ثلاثة ألف ريال، يذهب للشركة ليطلب قرض، فيتم رفض طلبه لأن المبلغ كبير جدا وراتبه لا يؤهله لمثل هذه القروض، فيطلب قرض أقل ويتم الرفض كذلك لأن عليه قرض سابق يقوم بتقسيطه.
بشكل عام حاول أن تعرض دوافع الشخصيات والعقبات التي تواجهها مبكّراً خلال الدقائق الأولى بعد أن تمهّد لقصتك، وتعرّف المشاهد بالشخصيات وتخلق علاقة عاطفية بسيطة بينهم، مثل: أن تقوم بعرض وضع العائلة المترابطة، الأب الحنون، والأم المتفانية، والابن الوحيد، الصباحات في البيت، الوالد يوصل ابنه إلى المدرسة في الصباح ويذهب إلى عمله، يعيده للبيت بعد الظهر ، الحياة الجميلة، حتى تحدث الصدمة والتي من الممكن أن تكون باتصال من المدرسة للأب بأن ولده قد أغمى عليه وهم الآن في طريقهم للطوارئ ..
تذكر .. ليس على البطل أن يتجاوز كلّ التحديات والعقبات، لكن عليه أن يحاول.
تنويه:
هذه السلسلة عبارة عن دروس في الكتابة الدرامية، أقوم فيها بنقل ما تعلمته واستفدت منه بشكل شخصي، سواء على صعيد القراءة والاطلاع أو الدراسة والمعرفة أو الدورات والتدريب، وذلك لإيماني الكبير بحاجتنا لتعلّم أدوات الكتابة وصناعة المحتوى من أشخاص سبقونا كثيراً في هذا المضمار، خاصّة في ظلّ شحّ المصادر المعرفية المتاحة باللغة العربية. وهذا الدرس مستفاد من دورة للسيد آرون سوركين .