كسر حواجز القصص المسكوت عنها

إيفا دوفيرناي هي ظاهرة رائدة في صناعة الأفلام والتغيير الاجتماعي لا يمكن حصرها في فئة واحدة!

بدأت مشوارها في الصحافة والعلاقات العامة، ومن ثم أصبحت ظاهرة سينمائية تلفزيونية لا يستهان بها، فأخرجت كل شيء من الدراما التاريخية، والأفلام القصيرة، والمسلسلات التلفزيونية، إلى الأفلام الوثائقية عن العدالة الجنائية، مدفوعة بسرد القصص التي غالبا ما تهمل في هوليوود، وداعية للشمولية والعدالة الاجتماعية في المجتمع الأمريكي.

تخرجت دوفيرناي من جامعة كاليفورنيا بتخصص مزدوج في الأدب الإنجليزي والدراسات الإفريقية الأمريكية، وتدربت مع شبكة سي بي سي نيوز، وعملت في مهنة العلاقات العامة حتى أنشأت وكالتها الخاصة في تقديم خدمات التسويق والعلاقات العامة لصناعة الترفيه والحملات التسويقية للأفلام والبرامج التلفزيونية، ثم انتقلت لعالم صناعة الأفلام في عمر الثانية والثلاثين دون تعليم أكاديمي،  فأصبحت أول امرأة سوداء تفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان Sundance للأفلام عام 2012 عن فيلمها Middle of Nowhere والذي يتناول التأثير الاجتماعي لعوائل المساجين السود كونهم ضحايا للنظام كذلك. منذ ذلك الحين قامت دوفبرناي بتحطيم القواعد، لتصبح شخصية مؤثرة في صناعة عُرفت تاريخيا بصعوبة دخول النساء لها، بالأخص النساء من الأقليات العرقية.

تتميز أعمال دوفبرناي بعمقها وتعقيدها وتناولها لقضايا اجتماعية هامة وحساسة من اللامساواة العرقية إلى السجن الجماعي، فمصدر إلهامها يأتي من محيطها الاجتماعي وعالم الأقليات في أمريكا والأخبار حولها، ورغبتها الدفينة في رؤية التغيير. اخترقت دوفبرناي الساحة الفنية بفيلمها Selma الذي تناولت فيه قصة المسيرة التاريخية لمارتن لوثر كينج وجيمس بيفل وهوسيا وليامز من سيلما إلى مونتيغمري للماطلبة بإعطاء الأمريكيين من أصول إفريقية حقهم في التصويت الانتخابي رغم المعارضة الشرسة والعنيفة من البيض، وحصل على ترشيح لجائزة Oscars لأفضل فيلم كما ترشح لأربعة جوائز غولدن غلوب كأفضل فيلم وأفضل مخرج.

أما فيلمها الوثائقي the 13th والذي جعل الجمهور يعيد النظر في النظام العدلي الجنائي الأمريكي، وحصل على إشادة من النقاد السينمائيين وأكسبها ترشيحا آخر لجائزة Oscars كأفضل فيلم وثائقي طويل وفاز بجائزة إيمي برايم تايم للفيلم الوثائقي الطويل.

ولا يمكن نسيان مسلسلها القصير When They See Us المستند على أحداث قضية عداءة سنترال بارك عام 1989م الذي يستكشف حياة خمسة مراهقين من هارلم اشتبه بهم وحوكموا ظلما بتهمتي الاعتداء والاغتصاب على سيدة بيضاء تدعى تريشا ميلر ، وهو من الأعمال المؤثرة نفسيا ويجعلك ترى بشاعة النظام القضائي الأمريكي في صورته العنصرية البحتة. لاقى العمل رواجا وإشادة كبيرة على مختلف الأصعدة وحصل على 11 ترشيح ضمن ترشيحات جوائز Emmy Awards وجائزة BAFTA بالإضافة إلى إجمالي 70 ترشيح و 30 جائزة مختلفة.

لم تكسر دوفبرناي الحواجز فقط، بل ألهمت جيلاً من صناع الأفلام الراغبين في سرد قصص ذات معنى يتجاوز أثرها الشاشة، كما أنها ناشطة اجتماعية تروج للتنوع في هوليوود من خلال شركة وجمعية Array التي تهدف إلى تمثيل أعمال الأشخاص من الأقليات العرقية مع تركيزها على صانعات الأفلام السود. 

مسيرة دوفبرناي تظهر ما هو ممكن عندما تكون كصانع أفلام مدفوعاً بالشغف والرؤية والالتزام العميق بمبدأ، شغفها بالعدالة الاجتماعية مكنها من أن تصنع مكانا لنفسها والآخرين وسهلت الطريق لهوليوود أكثر شمولية، فهي من تذكرنا دائماً بأن السرد القصصي قوة ولكل شخص قصة تستحق السرد.

قد يعجبك ايضا