لماذا يعتبر الحوار مهماً في كتابة السيناريو؟


الحوار في كتابة السيناريو ليس مجرد وسيلة لتقدم الحبكة الدرامية للأمام، بل هو العنصر الحيوي للشخصيات، هو روح القصة وشريان الحياة للشخصيات. الحوار هو الوسيلة المؤدية إلى تفاعل المشاهدين من عدمه، ليس فقط مع الحبكة الدرامية ولكن أيضًا مع إيقاع السيناريو. صياغة حوار ذا مصداقية يلامس المشاهد يشبه قيادة المايسترو للسيمفونية حيث الكلمات هي نغماتك الموسيقية والمحادثة هي إيقاعك!

هذه نصائح عملية لصياغة حوار حقيقي لكتابة سيناريو أفضل

قوة النص الفرعي

ما يجب أن نفهمه هو أن الحوار نادراً ما يتعلق فقط بالكلمات المنطوقة. غالباً ما يحتوي الحوار الرائع على مساحات من التورية وطبقات من التخفي أمام المنطوق، مما يسمح بالتفسيرات المتعددة. وهنا يصبح مبدأ “أرني ولا تخبرني” أمراً بالغ الأهمية. فبدلاً من جعل الشخصيات تخبرك بما يشعرون به أو يفكرون فيه بالضبط، دع كلماتهم تلمح إلى ذلك. على سبيل المثال، في السيناريو الرومانسي، بدلاً من أن تصرح الشخصية بحبها بلفظ واضح ومباشر “أنا أحبك” ، فكر في طرق مختلفة للتورية مثل “لم أكن أدرك أن يوم الأحد الذي أبغضه كما يبغضه الكل يمكن أن أشتاق إليه حتى جئتِ” هذه التورية فيما تود الشخصية قوله في الحقيقة، يجعل المشاهد يحاول فهم المشاعر الكامنة خلف المنطوق، ويضفي لمسة أكثر واقعية ودرامية، ففي الواقع قليلاً ما يكون الناس مباشرين في التصريح بمشاعرهم!

اتساق أسلوب المخاطبة

الشخصيات الدرامية لا تختلف عنّا كشخصيات حقيقية، لكل شخصية أسلوبها الحواري ونبرتها الخاصة ونمط كلامها الفريد. فمن المحال أن يتكلم شاب مراهق في السابعة عشرة من عمره بنفس الطريقة والأسلوب ويستخدم نفس المفردات التي يستخدمها رجل أكاديمي في نهاية الأربعينات مثلاً!
من الضروري أن تتأكد أن لكل شخصية طريقة حديث ونبرة شخصية ومفردات خاصة بها، تظل ثابتة ومتسقة مع الشخصية خلال السيناريو، مالم يكن هناك تغييراً كبيراً في الشخصية يستدعي بالضرورة تغييراً في أسلوب حديثها وحواراتها.

أهمية التفاصيل اللغوية

الاختيارات اللغوية الصغيرة والدارجة للشخصية مهمة، ومن السهل اكتشافها واعتبارها كثغرات في تركيبة الشخصية.

هل تستخدم الشخصية اختصارات معينة في الكلام أم تتحدث بجمل مكتملة؟ هل تكرر مفردة معينة؟ هل تستخدم مصطلحات تقنية؟ هل تدمج بين لغتين؟ هل تستخدم اللهجة الدارجة في المدينة التي تعيش فيها أم أن لديها لهجة خاصة بمجتمعها الصغير؟ هذه التفاصيل اللغوية تضيف عمق وأصالة للشخصية، مما يجعل تعلق المشاهد بها سهلاًعلى مستوى لا شعوري، للدرجة التي قد يستخدم بعض العبارات التي تستخدمها الشخصية ويرددها في حياته اليومية!

الحوار الطبيعي، وليس الطبيعي جداً!

في حين أن الحوار الطبيعي مهم جداً، إلا أن الشعور بالواقعية الزائدة يعتبر عائقاً  كذلك!

في الحياة يستخدم الناس كلمات حشو زائدة بشكل متكرر مثل “ممم ، آآآ” وغيرها من اللزمات، مع ذلك في كتابة السيناريو قد تشتت هذه الأمور التدفق السردي، عليك ككاتب سيناريو أن تجد التوازن، أن تجعل الحوار طبيعياً بالدرجة الكافية ليرتبط به المشاهد، وبسيطاً بما يكفي ليحافظ على السرد القصصي.

السياق هو الأساس

لا يصنع الحوار من العدم، بل يتشكل من خلال سياق سلسلة من الأحداث التي تتفاعل معها الشخصيات، فعند كتابة الحوار ضع نصب عينيك السياق الذي تتحدث وفقه الشخصيات، فذات النص الحواري قد تقوله الشخصية بطريقة هامسة رقيقة في سياق رومانسي شاعري، وقد تصرخ به في سياق فوضى الحروب والمعارك، السياق هو الأساس.

فن المقاطعة

طبيعة المحادثات الحقيقية بين الناس فوضوية، فهم يتكلمون مع بعضهم، ويقاطعون بعضهم، ويتنقلون بين المواضيع. مرة يعودون لنقطة سابقة الذكر، أو يستذكرون قصة ما، وربما يعودون لنفس الموضوع الذي بدأ النقاش، أو يغيرونه تماماً.

القليل من المقاطعة يمكن أن يظهر طبيعية الحوار بين الشخصيات لكن مثل جميع أدوات الكتابة الأخرى كثرتها تجعل حوار الشخصيات صعب المتابعة، في حين عدم المقاطعة التام يجعلها مصطنعة!

الاعتدال والتوازن هو المفتاح.

تجنب كثرة التبرير

ربما يكون التبرير من أكثر الأخطاء شيوعاً في صياغة الحوار، بينما يجب أن يقدم الحوار المعلومات الضرورية ليجذب المشاهد للقصة بسلاسة بين الإفصاح والعرض، وليس التبرير!

الحوار ولغة الجسد

لا تقلل من أهمية لغة الجسد أثناء الحوار، فلا يجب أن تكون الشخصيات متخشبة وثابتة بلا حركة، بل على العكس ينبغي أن تتحرك الشخصيات وتتفاعل، تظهر عواطفها عبر لغة الجسد وحركاته، فلغة الجسد تعبّر أحياناً كثيرة بطرق لا يعبّر عنها الكلام.

في الختام

تذكر أن الحوار يعد أقوى أدوات كاتب السيناريو، كتابة حوار صادق وجذاب يتطلب فهم عميق للشخصيات، واهتمام كبير بالتفاصيل، واحترام لفن الحوار. كل حوار يجب أن يخدم أغراضاً متعددة في السيناريو مثل: تطوير للحبكة الدرامية، الكشف عن الشخصيات، الترفيه والمتعة، إثراء موضوعية القصة.

إتقان هذا الفن لا يقتصر فقط على كتابة ما ستقوله الشخصيات، بل فهم دوافعها، وأسباب قولها لما تقوله، وكيف ستقوله، وهذا ما يجعل السيناريو نابضاً بالحياة، وقريباً من المشاهد.

هذه قائمة بأفلام تجلى فيها الحوار فكان من أجمل ما كُتب بالنسبة لي:

قد يعجبك ايضا