احكي حكايتك
كلّما توغلت نحو ذاتك، قصتك، مجتمعك، بيئتك، كلما استطعت أن تصافح العالم الشاسع وتهمس في أذنه، هذا أنا!
أؤمن تماماً بأن الكوميديا محلّية، فهي بحاجة لسياق ثقافي لو لم تكن مطلعاً عليه فلن تستطيع أن تفهم مغزى النكتة وتضحك عليها، لكن الدراما عالميّة، فهي قصة المشاعر الإنسانية بكل تقلباتها وتنوعها وعمقها وغرائبيتها، هذه المشاعر التي نشعر بها كلنا باختلاف القصص والحكايات والجغرافيا.
وهذا ما أجاده نجيب محفوظ في أدبه، حيث حول الحارة المصرية الصغيرة، بحكاويها الغارقة في المحلّية إلى قِبلة عالمية تخطت الجغرافيا والتاريخ.
وهذا ما استطاع الثنائي مفرج المجفل وعبدالعزيز الشلاحي صناعته في حدّ الطار، والأخوين قدس في شمس المعارف.
هل ستبيع الموت لتشتري الفرح؟ أم تبيع الفرح لتشتري الموت؟
هذه المعضلة الاجتماعية والأخلاقية التي صارعها دايل في حدّ الطار، والذي أبدع في تجسيد شخصيته فيصل الدوخي، بأداءه وحضوره ومشاعره، هي لبّ الفيلم -في وجهة نظري- والتي كان مفرج المجفل بارعاً في إبرازها حتى في الحوارات الهامشية مثل المشهد الذي تتحدث فيه شامة مع مدرسة البيانو الشامية، عن عمل خطيب كل منهما لتخرج بجملة بسيطة لكنها عميقة، ففي الوقت الذي يبيع فيه أحدهم الورد لينشر الفرح والجمال، هناك من يقطفه، يقتلعه ليحكم عليه بالموت!
حدّ الطار ليس فيلما خارقاً، لكنه فيلمنا!
فيلم يتحدّث عن حقبة زمنية عاصرناها جميعاً، عشنا تفاصيلها، ونعيش اليوم صدمة الخروج منها كذلك، يتحدث بلساننا عن قصص الحب المجهضة، عن العقبات الاجتماعية التي تجاوزها بعضنا ودهست البعض الآخر، عن وجع دفين حفر ملامحه في جيل مرّ بكل التقلبات الاجتماعية، والثقافية، والدينية التي عايشتها المملكة إلى عصر التنوير الذي نعيشه اليوم ونحن في حالة من الذهول ومحاولات حثيثة للهضم والفهم.
أخيراً، لم يعجبني حدّ الطار لدرجة التبشير به، وأظن أن هناك الكثير من المساحات الرمادية القابلة للتطوير، ابتداءً بالحبكة، والإيقاع، واداء الممثلين. لكن مشهدية الفيلم كانت جميلة، شعرت بالانتماء لها، فهذه الحواري التي تحكي جزء من تاريخنا الاجتماعي، ووعينا الثقافي، وبنائنا المعرفي.
حدّ الطار وإن لم يكن فيلماً خارقاً فهو في النهاية فيلمنا، وهذا يكفي.