رحلة الكتابة

مقال عن الكتابة والأدوات المساعدة

عندما كنتُ صغيراً أخبرتُ أمّي بأني أريد أن أصبح كابتن طيران !

إلا أننا كلما كبرنا، وتعمّقت تجاربنا أكثر سنعرف بشكل أو بآخر ما نريد أن نكونه، وإن كنت مؤمنا وواثقا من شيء واحد على الأقل فهو إيماني وثقتي بأن الكتابة ملاذي وملجئي ومساحتي الحرّة في التعبير، وهي الحياة التي أمتهنها والمهنة التي أحياها .. لذا أحب أن أنقل لمن يحب أن يكتب النصائح التي استفدت منها في رحلة الكتابة على بساطتها، فلازال هناك الكثير ليُكتب والكثير ليُروى ويُقصّ.

اكتب

على الرغم من وضوح وربما سذاجة هذه النصيحة إلا أنها فعلا الخطوة الأولى في عملية الكتابة بشكل عام. أن تكتب بغض النظر عن المُخرَج، أن تكتب بشكل يومي، وبشكل مستمر ودون توقف، أن تدرب قلمك على الكتابة والاسترسال، أن تطور خيالك عبر التدفق المستمر، لأن هذا كلّه يسهم في خلق الأفكار الجديدة، فالأفكار لا تتولد من العدم بل تحتاج إلى حِراك عقلي بالتفكير والنقاش، وتنوّع معرفي بالقراءة والاطّلاع، واحتكاك عملي بالآخرين عبر قصصهم وتجاربهم وما مرّوا به في حيواتهم.الكتابة تجترّ الأفكار والأفكار تدفع للكتابة، تماما كمعضلة “الدجاجة والبيضة” السببية عند الفلاسفة، في النهاية هناك حالة من الارتباط الوثيق بين قدرة الكتابة على اجترار واستحداث الأفكار وقدرة الأفكار على دفع الكاتب نحو الكتابة دون توقف.

اكتب عن كلّ شيء حولك، جرّب أن تكتب عن شمس الظهيرة المرهقة، عن عودة الأطفال من مدارسهم، عن حالة الاختناق المروري في الشوارع، عن شعورك عند شرب كأس ماء بارد على الظمأ، عن يومياتك والمواقف التي مررت بها، اكتب عن كلّ شيء حولك في البداية وستلاحظ مدى قدرتك على الاسترسال يوماً بعد يوم في الكتابة وقدرتك على إيصال أفكارك ومشاعرك بطرق مختلفة وأكثر دقّة.

جرّب بعض المواقع التي تدفعك للكتابة مثل Thinkwritten ففي هذه المرحلة أنت بحاجة للكمّ الكتابي، لتدريب قلمك على التدفق ولياقة النفَس الطويل في الكتابة بغضّ النظر عن نوعيّة ما تكتبه، فهذه ستكون المرحلة التالية، فالمهم الآن أن تكتب قدر المستطاع وبأطول نفَس ممكن.

اقرأ:

الأمر بسيط جداً، لكي تعطي فلابد أن تأخذ، لكي تروي قصصاً فلابد أن تمرّ بتجارب تجعلك حكّاءً جيّداً وفريداً، والقراءة تقوم بهذا الدور تماماً، فهي الزاد الحقيقي الذي تستطيع من خلاله أن تكتب عن أشياء مختلفة ومتنوعة، أن تزيد رصيدك المعرفي وتتسامق. فكما يقول جودت سعيد “إنّ الإنسان ليتصاغر أمام من هو أقرأ منه” وهذه سنّة كونية، فنحن نشعر بحالة من الدهشة أمام من يخبرنا بما لا نعرف ويقصّ علينا مالم نمرّ به ويبصّرنا بما لم نشاهد، وهذا النوع من القوة لا يكتسبه الإنسان إلا بالقراءة وبها يتمايز الناس.

إن الإنسان ليتصاغر أمام من هو أقرأ منه

جودت سعيد

القراءة هي الحبر الحقيقي لقلمك .. فاقرأ لتكتب.

كوّن عاداتك الكتابية

اصنع لنفسك طقوس كتابية، ولا أقصد هنا أن تبالغ في صناعة طقوس كتابيّة كالتي نراها في الأفلام، أقصد أن تكوّن لنفسك البيئة المريحة والدافعة للكتابة، اختر المكان الملائم، والوقت الأنسب، استمع لموسيقى إن أحببت، اشرب فنجان من الشاي أو كوب من القهوة، تكوين العادات الكتابية يحفزك بشكل لاواعي للكتابة.

احرص في تكوين عاداتك الكتابية على اختيار وقت يومي للكتابة، بغض النظر عن طول الوقت وقصره فالمهم أن تعد نفسك يوميا للكتابة في وقت محدد، سيكون الأمر بالغ الصعوبة في البداية، وربما ستترك الورقة بيضاء ليوم أو يومين لكنّك حتماً ستكتب، تعامل مع الكتابة في البداية بشكل حازم، ولا تترك نفسك للادعاءات الكثيرة حول أن الكتابة عمليّة إبداعية لا تأتي إلا بالإلهام !

الإلهام ضروري جداً في الكتابة بلا شك، لكنّك الآن تحاول إعداد نفسك، عقلك، وقلمك لأن تتعلم التدفق والسرد الطويل، ثمّ أنّ الإلهام لا يتعارض تماماً مع تكوين الطقوس الكتابية، أكثر الكتّاب لديهم أوقات يوميّة محدّدة للكتابة، والبعض الآخر لديه هدفاً أسبوعياً عبارة عن عدد كلمات محددة لابد أن ينجزها.

نصيحتي لك في البداية حدد وقتاً للكتابة، ثم بعد ذلك تستطيع أن تحدّد هدفاً أسبوعياً مرهون بعدد الكلمات لو أحببت.

دوّن ملاحظاتك

هناك العديد من مصادر التلقّي التي نتعرض لها بشكل يومي، والتي لها دور كبير في إلهامنا بأفكار كثيرة سواءً كنّا نشاهد فلماً سينمائيّاً، أو نقرأ مقالاً، أو نتحدث مع صديق. جرب أن تحمل معك دفتراً صغيراً إن كنت من هواة الكتابة الورقيّة، أو استخدم تطبيقات الملاحظات في هاتفك، حاول أن تدوّن الأفكار التي تخطر على بالك عند تعرّضك لأيّ مصدر من مصادر التلقّي التي قد تلهمك لكتابة قصة، أو تحوّل مجريات نصّك الذي تعمل عليه، أو تعطيك مثالاً واقعيّاً لتبرهن به على فكرة تراودك. كتابة الملاحظات مفيدة جداً للكاتب لأنها تفتح له أبواب موصدة وتصبح بشكل أو بآخر مثل الشبكة العنكبوتية من الأفكار.

ابحث عن مصادر للتعلّم

الكتابة حرفة كغيرها من الحرف التي يمكنك تعلّمها وإجادتها بشكل احترافي، كلّ الذي تحتاجه هو الوقت والرغبة والجهد للتعلّم والتمرّس، اطلاعك على مصادر مختلفة لتعلّم أدوات الكتابة سيساعدك بلا شك على تطوير مهاراتك وصقلها يوماً بعد يوم، هذه بعض الكتب التي أفادتني على صعيد شخصي وأقترحها عليك.

  • أدوات الكتابة .. 49 استراتيجية ضرورية لكل كاتب | روي بيتر كلارك | الدار العربية للعلوم ناشرون
  • لياقات الكاتب | دورثي براندي | دار كلمات
  • الزنّ في فن الكتابة | راي برادبيري | الدار العربية للعلوم ناشرون
  • لماذا نكتب ؟ | ميرديث ماران | الدار العربية للعلوم ناشرون
  • تقنيات كتابة الرواية | نانسي كريس | الدار العربية للعلوم ناشرون
  • فنّ الرواية | كولن ولسون | الدار العربية للعلوم ناشرون
  • تقنيات الكتابة | مجموعة مؤلفين | دار الحوار للنشر والتوزيع
قد يعجبك ايضا